تشويه واجهة قصبة ألنيف "إغرم ن ألنيف" جريمة في حق تراث إنساني أصيل.


 

من إعداد: محند ميموني

عضو المجلس الفيدرالي للكونغريس العالمي الأمازيغي

عضو جمعية أسيد للثقافة الامازيغية

 

تشويه واجهة قصبة ألنيف "إغرم ن ألنيف" جريمة في حق تراث إنساني أصيل.

قصبة ألنيف أي "إغرم ن ألنيف" هي إحدى القصبات القديمة التي شيدت خلفا لقصبة أقدم منها أسست سنة 1873 في الجوار. ونظرا لهشاشة هذه الأخيرة ونقصها من حيث الطاقة الاستيعابية فإن ساكنها فكروا في بناء قصبة جديدة سنة 1999 م على نفس التصميم  وكان من بين المهندسين الذين وضعوا  التصميم للأولى "اعمرأوحدى". فرغم تعدد العوامل التي قد تأثر على مبانيها فإن الحياة مستمرة فيها إلى يومنا هذا. ويشكل أغلبية سكانها الآن عائلات وافدة من القرى المجاورة استقرت بمركز ألنيف لعدة أسباب، منها الهجرة بحثا عن العمل والاستقرار بعد حياة الترحال.

لكن ما لحظناه في الآونة  الأخيرة  هو أنه حتى هذه القصبة لم تنجو من التهميش  أو على الأقل من تأثيره. إذ إن هناك لوبي مكون من أفراد إن لم أقل من أسر من يعتبرون أنفسهم من الخلفاء الراشدين ومتميزين عن غيرهم بالإحسان والعمل الخيري، لكن الحقيقة ليسوا إلا منفذي سياسة الدولة المخزنية  الممنهجة لتخدير المواطنين وتركهم منغمسين في شؤون الدين "شؤون الآخرة" وإلهائهم عن البحث عن فرص لتناول المواضع الدنيوية و إيجاد حلول لها كما كان الحال في السابق أي في الفترة التي كانت فيها القبيلة قوية.

 إن الخطير في الأمر هو أن هذا التخدير أصبح في درجة الإدمان، لكون المواطن أصبح مسيرا تماما، بل أصبح قاصرا في تفكيره وفي المقاومة ويخشى من البشر أكثر مما يخاف الخالق، فلما تسأله عن الحاجيات والمتطلبات الضرورية  كحق من الحقوق التي من الواجب على الدولة أن توفرها بدون شروط  كون المواطن في ألنيف  يؤدي واجباته كباقي المواطنين في المدن أو في القرى، فالجواب هو أن ذلك من أمر الله. ومن تم تغلق أبواب الاجتهاد بمعنى يترك العقل جانبا. فمثلا ذات يوم في إحدى المناسبة العائلية دار نقاش ساخن بين الحاضرين فقال أحد الزملاء لشخص أتى بمعية إخوانه إلى بلدة ألنيف في مهمة التبليغ ونشر الدين الاسلامي  وهو يلق خطابه التبليغي: يا أخي إننا نعرف الدين الاسلامي منذ القدم وورثناه  من الأجداد لكن ما ينقصنا الآن هو المستشفى (الطبيب)، الماء الصالح للشرب، الكهرباء... رغم أن المنطقة تتميز بغناها  من الثروات المعدنية والمناظر الطبيعية المختلفة والموروث الانساني الثقافي المتنوع... إلا أن الدولة لم توفر طبيبا واحدا لأزيد من 50 الف نسمة، رغم تفشي الأمراض المعدية مثل الاشمانيوز (La leishmaniose)هذا المرض الذي بالمناسبة أثار ضحك الوزيرة السابقة ساخرة ومستهترة في البرلمان أمام ممثلي المواطنين إثر طرح إشكالية تدني التغطية الصحية في الجنوب الشرقي وانتشار هذا المرض المعدي والمشوه للبشرة وغالبا ما  يظهر على وجه المريض، فأجاب الشخص قائلا: الشفاء عند الله.

وعلى إثر هذا كله فإن هذه المجموعة لا تفكر إلا فى توسيع المسجد "رافدة هم الوزارة الوصية" والتي تعد من أغنى الوزارات من حيث الميزانية، لا لكونه لا يستوعب عدد المصلين الذين يتوافدون عليه، لكن لأسباب أخرى أشرنا إليها سلفا. وحتى لا يفهم أننا ضد فكرة توسيع أوتأهيل المسجد كمكان للعبادة، فإننا نحبذ الفكرة ولكن في حدود الممكن والمعقول وليس على حساب الموروث الثقافي الإنساني الذي يعتبر من رموز المنطقة وإرثا إنسانيا وجب الحفاظ عليه من الاندثار من قبل الدولة بدل تركه للضياع وإفساده من قبل أشخاص لا يعيرون اهتماما لمثل هذه الأمور.

 المهم هو أن هذا الورش الذي مصدر ميزانيته  من أفراد القبيلة ومن أناس بسطاء (المحسنين) عكس ما نعرفه في باقي الوزارات الأخرى أي أن الأوراش تتم عبر الصفقات العمومية  التى تعتمد على دراسات مسبقة وترصد لها الميزانية  من قبل الاختصاصيين من هذه الوزرة، قلت عوض تلك الإجراءات، لجأ هؤلاء إلى تشويه واجهة هذه القصبة كأنها ميراث لهم يتصرفون فيه كما شاؤوا بلا حسيب و لا رقيب.

هذه المجموعة تعتبر نفسها متخصصة في السهر على شؤون الساكنة، لكن للأسف الشديد أنها لم تفكر يوما في تأهيل المدرسة التي  ترتادها أكبادهم طوال السنة الدراسية عبر كل فصولها الشتوية والصيفية، علما أن حالتها يرثى لها، سواء في فضائها الخارجي أو داخل الأقسام، حيث  إنها تفتقر لأدنى شروط التعلم، نفس الشيء يقال بالنسبة للمركز الصحي للولادة الذي بني سنين وبقي كمبنى دون وسائل وغير ذلك من المشاكل الاجتماعية المتفاقمة التي تتخبط فيها الساكنة وتتطلب الحلول المستعجلة.

لكل الأسباب المتقدمة إذن، فالمواطنون الغيورون على المكانة  التاريخية والثقافية  لهذه القصبة كموروث إنساني محلي يطالبون بإرجاع الوضع إلى ما هو عليه في السابق، وإيقاف هؤلاء الأشخاص عند حدهم، فليس كل ما ينقص الساكنة هو المسجد الفاخر أو الصومعة العالية، بل مستشفى مجهز كفيل بتولي أمور النساء اللواتي يمتن وهن في المخاض، ومدرسة تحفظ كرامة وسلامة التلميذ والأستاذ، وماء يصلح للشرب وليس ماء لا يصلح حتى للغسل، وغيرها من المطالب الملحة التي لم تعد تحتمل التماطل.